About Me

header ads

بناء الإيجابية

بناء الإيجابية

محمد السيد عبد الرازق
ما شعورك حينما جلست يومًا من الأيام وبدأت تسترجع شريط ذكرياتك متأملًا؛ فوجدت أن زملاءك من حولك قد أصبحوا مختلفين عما كانوا عليه في السابق، قد سبقوك وأصبحوا أكثر سعادة ونجاحًا، وأنت مازلت قابعًا في مكانك؟
هل تشعر بأنك تقف مكانك "محلك سر"، وتحس بشيء من العجز والكسل يحجب عليك رؤيتك لما يمكن أن تفعله في الحياة؟ وهل يساورك شعور بالإحباط ويلازمك الفينة بعد الفينة سواء في مجال الدراسة أو العمل أو العلاقات ... إلخ
إذًا أيها الشاب الحبيب آن لك أن تركب القطار دون التفات أو انتظار، إنه قطار التغيير، التغيير نحو الإيجابية

والفاعلية، فذلك بإذن الله بابك نحو الإنجاز والسبق والتخلص من داء العجز وكذلك الكسل.
فهيا يا شباب نشيِّد سويًا صرح الإيجابية، ونكسر قيد السلبية، ونرسم مستقبلنا بأيدينا ونحقق إنجازاتنا بطموحنا وعزمنا، فتلك والله غاية غالية وأمنية منشودة (شباب فعال).
غير أن تحولك للإيجابية أخي، لا يأتي على طبق من ذهب، ولا على سرير من حرير، بل بجد واجتهاد ومحاولات، فالفاعلية كالتمر لست أنت بآكله حتى تلعق الصبر:
لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
بناء الإيجابية:
ولنبدأ الآن الحديث سويًا عن محاور بناء الإيجابية داخل الشخصية، فدونك وهذه المحاور الآتية فإن لها أثر كبير وأهمية جليلة في بناء الإيجابية:
منهجك الواضح:
لاغرو أن أفضل النتائج تعود عليك أيها الشاب، حينما تكون صاحب منهج واضح ومبادئ ثابتة في الحياة ثبوت الجبال، لا تهزها ولا تحركها زينة الدنيا ولا غرور الشيطان، إنها تلك المبادئ القيمة التي لا تتبدل بتبدل الزمان والمكان، (فالمسلم لا يصدق في مكان ويكذب في مكان آخر، ولا يعدِل مع أناس ويظلم غيرهم، والستر والحشمة في اللباس شيء ثابت وفي كل مناخ.
إن أمورًا مثل الغش والخداع وغياب الإتقان، والنفور من النظام لا يمكن أن تأتي بنتائج إيجابية، بل تفسد الحياة اليومية، وتجعل الإنسان معطوبًا في بنيته الأخلاقية ووجوده الاجتماعي) [الفاعلية، د.محمد العبدة، ص (10)].
أما المسلم ولله الحمد فهو صاحب رؤية واضحة ورسالة سامقة وعقيدة خلابة واضحة، تلك الأمور ترسم له بوصلة تعطيه رؤية واضحة، وترسم له الطريق الصحيح عندما يتخبط الشباب ويقع آخرون منهم في الحيرة، لماذا؟
لأن قراراته وتصوراته حينها لا تخضع لأهواء أو لضغوط الناس أو حتى للظروف، بل تخضع كل هذه الأشياء للمبادئ الثابتة التي يصر على التمسك بها مهما كانت الظروف ومهما كلفه الأمر، (ومن السنن الكونية أن المبادئ هي التي تنتصر في النهاية قال الله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83]، والمبادئ لا تموت، بينما الاعتزاز بأعراض من الدنيا كالمال والجاه فإنه يذهب ويكون بعدها حسرات، والمبادئ تعطي المسلم الشجاعة والثقة في النفس والاحترام من الغير) [الفاعلية، د.محمد العبدة، ص (11)].
وضوح الهدف
إن الشاب حينما يحمل رسالة في هذه الحياة ويترجم هذه الرسالة لرؤية واضحة المعالم للمستقبل وما هو الشيء الذي يريد إنجازه؛ فإن هذا يعمل على تفجير الطاقات لديه ومضاعفة إنتاجه، فيتحلى حينها بقمة الإيجابية والفاعلية، ولم لا وهو يشعر بقيمته وقيمة ما يقدمه.
ونظرة إلى الوراء إلى الجيل الفذ الفريد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ تنبيك كيف فجرت رسالة الإسلام الطاقات عند الصحابة والتي كانت معطلة في أيام جاهليتها، فذاك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يتحول إلى شخصية فذة ويسطَّر اسمه كأحد قادة التاريخ، متى حدث ذلك؟ حدث عندما حمل عمر رسالة الإسلام على عاتقيه ولامست قلبه حتى بلغت منه الشغاف، ووضوح الهدف هو الذي جعل أصغر جندي في جيوش المسلمين يحمل رسالة وغاية، إنه ربعي بن عامر الذي تربع اسمه على صفحات التاريخ التي تحكي حضارتنا، لما بث من خلال تلك الصفحات رسالته التي هي إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
(حمل الرسالة يعطي الإنسان سعة في الأفق وقوة في القلب وأمنًا ورشادًا، أما الفارغ المملوء بالحزن والشكوى فلا يكون فعَّالًا أبدًا، إن وضوح الهدف يدفع لمقاومة التردد والخوف) [الفاعلية، د. محمد العبدة، ص (12)].
(وفي سؤال لمتدربين إداريين عن الوقت الذي يضيع في معالجة آثار عدم الوضوح، فكان الجواب أن 60% كحد أدنى يهدر من الوقت والجهد) [إدارة الأولويات، ستيفين كوفي وزملاؤه، ص (331)].
ولنتصور معًا شابًا دخل جامعة معينة، دون أن يحدد رؤية واضحة لاستغلال هذه الدراسة بعد انتهائها، فكيف ستكون فاعليته في الدراسة؟
ولنتخيل شابًا أنشأ مشروعًا ولكنه لم يحدد أهدافه؛ فكيف ستكون النتائج؟
وكذلك شاب بدأ يحفظ كتاب الله ولم يحدد هدفًا واضحًا من هذا الحفظ، كأن يختم مثلًا القرآن ثم يشرع في تعليمه غيره، أظن الآن بدأنا نفهم لماذا لا نكون إيجابيين وفعالين في كثير من الأحيان.
وفي نهاية هذا العنصر تذكر أن (البوصلة التي تحدد الاتجاه، أهم من الساعة التي تضبط الوقت) [إدارة الأولويات، ستيفين كوفي وزملاؤه، ص (331)].
تناغم مع الكون
من الطبيعي جدًا في حياتنا أننا ننتظر الثمار حتى يبدو صلاحها ثم نقوم بقطفها، ومن البدهي أيضًا أن الزوج والزوجة ينتظران المدة المعلومة حتى يأتي المولود، والسؤال الآن في حياتنا الاجتماعية هل بإمكاننا أن نتجاهل هذه السنة الكونية أو نتحايل عليها؟ بالطبع لا، فالطالب مثلًا الذي يؤجل المذاكرة إلى ما قبل الامتحان بأيام قليلة، هل نتوقع له النجاح؟ هل يمكن أن نحول شخصية ضعيفة إلى قوية أو شخص بخيل إلى كريم في ليلة وضحاها، أراكم تتفقون معي أنه لا يمكن أن يحدث ذلك؛ بل إن الأمر في حقيقته يحتاج إلى صبر ومصابرة وتربية، وهكذا الإيجابية والفاعلية لابد للإنسان أن يربي نفسه عليها ويتدرب عليها، وهو مع ذلك يتحلى بالصبر فالصبر جزء من الحل.
وصايا على الطريق
وأنا أراك الآن أيها الشاب تمضي قدمًا على طريق الفاعلية، وتقطع بإذن الله تعالى أولى خطواتك نحو الإيجابية، أحببت أن أوصيك ببعض النقاط العملية التي تكون لك عونًا بإذن الله في طريقك:
التعاون:
ربما يقوم شاب بعمل ما ويكون قادرًا على إنجازه، ولكنه إذا قام بهذا العمل مع شخص آخر أو أشخاص آخرين فإن الإنجاز سيكون أكبر والاستفادة أعم، وسيصبح العمل أكثر فاعلية.
(الشخص التعاوني يقيم علاقاته مع الآخرين على أساس التكامل وتبادل التأثر والتأثير، والتعاونية مفهوم أكثر نضجًا وتقدمًا من الاستقلالية، وعلى كل حال فهو خيار لا يقدر عليه إلا الأشخاص المستقلون) [العادات السبع، ستيفين كوفي، ص (45)].
إياك والغرق:
إن الإيجابية بدورها تحذرنا وتحذر كل شاب من الغرق في الهموم والأسف على ما حدث في الماضي، فسيدنا يوسف عليه السلام لم يغرق في الهموم على ما فعل به إخوته، كلا، بل كان إيجابيًا وأكبر دليل على ذلك أنه لما انتقل إلى السجن ماذا فعل؟ ما فعله هو أن رسم لنا صورة في قمة الإيجابية حينما دعا من معه في السجن إلى الله سبحانه وتعالى، لم يغرق في الهموم ولم يأسف على ما فات بل شمر بساعد الجد لم هو آت وأقبل عليه بإيجابية ونشاط.
أضغاث أحلام:
(والإيجابية أن لا يحلم الشاب في غير واقعية بل يخطط للمستقبل بعناية، معتمدًا على الله سبحانه وتعالى وبذلك يكسب روحًا بنَّاءة مرضية) [الفاعلية، د.محمد العبدة، ص (27)].
جو من الدعم:
(يعتبر تأييد مراهقينا مثل وضع الأساس لمبنى، لن نراه بأعيننا قبل انقضاء عقد من الزمان على الأقل) [المراهقون يتعلمون ما يعايشونه، د.دوروثي لو نولتي، ود.راشيل هاريس، ص (327)].
إن الآباء يحتاجون بقوة أن يعطوا أبناءهم كل أنواع المساعدة والدعم قدر استطاعتهم عبر تلك السنوات من التغيرات الكبيرة التي تمر بها مرحلة المراهقة، كي يستطيعوا أن يصنعوا منهم أناس إيجابيين فعالين، وذلك من خلال تشجيع صفاتهم الإيجابية؛ فمن المهم جدًا أن يسعى الآباء والأمهات لاكتشاف أهم الصفات الداخلية الإيجابية لدى شبابهم، ويعملوا جاهدين على تشجيع هذه الصفات وتنميتها، وهذا المثال يوضح ما أريد أو أوصله إلى أذهانكم:
(كان "وليد" البالغ من العمر ستة عشر عامًا يصف لوالده بعض الصراعات التي تحدث في فريق كرة السلة، قال وليد لأبيه شاكيًا: (الجميع يتصارع للاستحواذ على الكرة، ولا أحد يمرر الكرة لزميله في الفريق).
قال الأب: (هذا يحدث حتى في أفضل فرق كرة السلة).
قال وليد: (حسنًا، ولكن بذلك لن نفوز أبدًا).
قال الأب: (أنت تلعب لصالح الفريق، وهم يلعبون لصالح أنفسهم).
قال وليد: (تلك هي المشكلة).
قال الأب ناصحًا: (استمر في اللعب كلاعب فريق مهما كان ما يفعله الآخرون، وستجد أن ذلك يفيد وإن لم يكن الآن فسوف يجدي فيما بعد، وبالإضافة إلى ذلك فتلك هي طريقتك في اللعب على أي حال).
في ذلك الموقف الذي رأيناه لا يشجع الأب اهتمام وليد بكرة السلة، بل يؤيد شخصيته ويساعده على فهمها، وينمي فيه جزءًا إيجابيًا، وبهذا النوع من المساندة يساعد الأب ابنه وليد على تقوية صورته الذهنية عن نفسه كلاعب جيد في فريق، ويعلمه أن يثق بقراراته حتى لو كانت تخالف ما يفعله زملاؤه في الفريق.
إن الأب يعطي لابنه الفرصة لكي يرى نفسه بطريقة إيجابية، ويشعر بمشاعر إيجابية حيال هويته) [القصة مستوحاه من كتاب المراهقون يتعلمون ما يعايشونه، د.دوروثي لو نولتي، ود.راشيل هاريس، ص (342)].
المصادر:
المراهقون يتعلمون ما يعايشونه د.دوروثي لو نولتي، ود.راشيل هاريس.
الفاعلية د.محمد العبدة.
العادات السبع ستيفين كوفي.
إدارة الأولويات ستيفين كوفي وزملاؤه.


إرسال تعليق

0 تعليقات