About Me

header ads

نفوس لا ترضخ للواقع المزري

الفئة : تطوير الذات
القسم : بناء تقدير الذات
تمت الاضافة بواسطة : مديرة تعلم معنا
09/08/33 05:02:10 ص


د. علي الحمادي

كان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين, فجيء بهما إلى قطائع ابن طولون, صاحب الديار المصرية وقتئذ, ليباعا في أسواقها, فتمنى صاحبه أن يباع لطباخ حتى يملأ بطنه بما شاء, وتمنى كافور أن يملك هذه المدينة ليحكم وينهى ويأمر, وقد بلغ كل منهما مناه, فبيع صاحب كافور لطباخ, وبيع كافور لأحد قواد المصريين فأظهر كفاءة واقتدارًا.

ولما مات مولى كافور قام مقامه, واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد وصاحب الكلمة عند الولاة, وما زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام وغيرهما.  

مرّ كافور يومًا بصاحبه فرآه عند الطباخ بحالة سيئة, فقال لمن معه: لقد قعدت بهذا همته فكان كما ترون, وطارت بي همتي فكنت كما ترون, ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعنا عمل واحد.

كم نحن بحاجة إلى تأمل حال كافور وصاحبه, ذلك لأن نفرًا من الناس يتفننون في لبس لباس صاحب كافور, وفي تقمص شخصيته وهمته وطموحاته, فتكون النتيجة مزيجًا من الفشل والقهر والهم والألم.

ليس ثمة شيء أيسر من جلد الذات, وإن كان ذلك حقًا, وقد يكون مطلوبًا في بعض الأحيان, إذ ليس حال أمتنا بحال يثلج الصدر, فاليهود يتلاعبون بها ويضحكون على ذقون نفر من أبنائها, والمال يركض إلى الغرب, والقرار السياسي لابد له أن يكون منسجمًا مع أو مغازلًا للقرار الغربي إن لم يكن تابعًا له, والعقول قد هاجرت إلى العم سام, والمناهج التربوية والتعليمية تعشعش عليها عناكبُ التخلف وغربان الضياع, وحقوق الإنسان المسلم مستباحة على أيدي الشرق والغرب, وما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير والشيشان وغيرها كبر شاهد على ذلك.

لقد أثبت التاريخ إن الإنسان لا يمكن له أن يقيم حضارة أو يصنع مستقبلًا ما لم يغير من نفسه ابتداءً, ثم يسير جادًا في طريق التغيير حتى يغيّر مَنْ نفسه وما حوله, وليس ذلك مستحيلًا أو بعيد المنال, بل المستحيل هو ما تجعله أنت مستحيلًا.

لأستسهلنَّ الصعب أو أبلــغ المنـى

فما انقـادت الآمــال إلا لصــابر

إنّ البداية الحقَّة للنهوض وصناعة الحياة هي في الرغبة الصادقة في إحداث شيء مؤثر, وهي في القرار الحازم الذي يتخذه الإنسان من أجل التغيير.

نحن بحاجة إلى هذه النفوس التي قررت أن لا ترضخ للواقع المزري, واعتقدت أنها قادرة على السباحة عكس التيار, كما أننا بحاجة إلى ازدراء تلك النفوس المستسلمة التي لا شموخ فيها ولا سموق.

تأمل ذلك الحوار القوي الصاعد بالمعنويات إلى عنان السماء, والذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصحابي الجليل خباب بن الأرت لما جاءه شاكيًا حاله وحال المعذَّبين من الصحابة.

قال خباب: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة, فقلنا: ألا تستنصر لنا, ألا تدعو لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد كان من قبلكم يُوخذ الرجل, فيحفر له في الأرض, فُيجعل فيها, ثم يُؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فُيجعل نصفين, ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه, ما يصدُّه ذلك عن دينه, والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه, ولكنكم تستعجلون ".(رواه البخاري)

ولقد فرَّ عبد الرحمن الداخل من الشام بعد سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين, فلم يرضه ما آل إليه أمره, فأبى إلا التغيير, فكانت العاقبة أن شيّد ملكًا في قعر بلاد النصارى, وأقام حضارة إسلامية دامت أكثر من ثمانية قرون.

وفي عالم الإدارة السياسة والمال حوادث كثيرة ونجاحات عديدة, فهذا مانديلا عاش ثمانية وعشرون عامًا في سجن في جنوب أفريقيا, وكان يقود التغيير ويؤججه وهو في سجنه, حتى أخرجه حاكم جنوب إفريقيا ديكلارك مرغمًا من سجنه, وأصبح مانديلا هو الحاكم, بل أصبح أسطورة, والحاكم السابق اليوم في طي النسيان, فيا للعجب!!

وماليزيا مَثَلٌ متميز في التغيير, حيث صممت أن تصبح دولة صناعية خلال عشر سنين (1986 – 1995) فغيرت من شأنها تغييرًا شاملًا واستطاعت أن تصبح كما أرادت في المدة التي رسمتها لنفسها.

ولقد تعجبت من قصة هيلين كيلر, حيث في 27/6 من عام 1880 ولدت هيلين الأمريكية العمياء والصماء والخرساء التي أصبحت أحد الأمثلة البشرية في تحقيق الذات والنجاح, ليس للمعوقين فحسب, وإنما للأسوياء وللمتفوقين منهم أيضًا, بعدما تمكنت هذه المرأة من تذليل إعاقتها الثلاثية, وعاشت حياة زاخرة بالعمل والثقافة والعطاء.

وإليك قصة أخرى مثيرة وهي قصة كاشا, حيث عندما خضع رايان كاشا (21) سنة لاختبارات الذكاء في طفولته, وتبين أن نسبة ذكائه منخفضة جدًا, وقال الأطباء إنه معاق, بدأ والداه يحاولان التكيف مع مأساتهم الجديدة, ولكن رايان تغلب على إعاقته, والتحق بالجامعة, وتخرج فيها بمرتبة الشرف.

إن العملية التغييرية وصناعة الحياة تحتاج إلى عقلاء أذكياء لا يرضيهم الواقع المعوج, ولا يركنون إلى الحال الرديء, هم في حركة دائبة, لا يكل أحدهم ولا يمل, إذْ التغيير والتفاعل والحركة هي شأن الأحياء, أما سكان اللحود والمقابر الذين فارقوا الدنيا وضمهم قبر ضيق موحش فهم أصحاب السكون والهمود والخمود،

وصدق الدكتور القرضاوي حين قال:

قالوا السعادة في السكون

وفي الخمول وفي الخمـود

في لقمة تأتي إليـــك

بغير ما جهــد جهــيد

في أن تقول كما يقـال

فلا اعتــراض ولا ردود

في أن تعيش كما يراد

ولا تـعش كمــا تـريد

قلت الحياة هي التحرك

لا السـكون ولا الهـمود

وهي التفاعل والتطور

لا التــحجر والجمــود

وهي التلذذ بالمتاعب

لا التــلذذ بالــرقـود

هي أن تعيش خليفةً

فـي الأرض شـأنك أن تـسود

(*) مدير مركز التفكير الإبداعي والمشرف على موقع إسلام تايم
 توثيق مصدر المقال
تلتزم   مهارات النجاح للتنمية البشرية بحماية حقوق المؤلفين وكتاب مقالات تعلم وإبرازهم . ولتوثيق ذلك نود هنا أن نبرز معلومات توثيقية عن كاتب المقال: د. علي الحمادي .
كما تلتزم مهارات النجاح بحفظ حقوق الناشر الرئيسي لهذا المقال وندعوكم لزيارة صفحة الناشر بدليل الناشرين لمقالات موسوعة تعلم معنا  من خلال الظغط على اسم المصدر ، كما نتقدم بالشكر أجزله والتقدير أجله للناشر لمساهمته الفاعلة في نشر مصادر المعرفة.
المصدر (الناشر الإلكتروني الرئيسي لهذا المقال ): موقع الإسلام اليوم
رابط صفحة المقال في موقع  الناشر (المصدر الرئيسي): أنقر هنا
أخر تعديل تم بواسطة مديرة تعلم معنا

إرسال تعليق

0 تعليقات