06/01/34 10:18:03 ص
د. علي الحمادي
يُروى أن الإمام البخاري حاول في أول أمره تعلم الفقه والتبحر فيه، فقال له محمد بن الحسن: اذهب واشتغل بعلم الحديث، عندما رآه مناسبًا لقدراته وأليق به وأقرب إليه، وقد أطاعه البخاري ومن ثم صار على رأس المحدثين بل وإمامهم.
من أجل أن يكون الفرد مؤثرًا فيمن حوله وصاحب إنتاج متميز، فلا بد أن يركز على مجال واحد (أو مجالات قليلة) ويسبر أغواره، ويتمكن من جوانبه الدقيقة وتفاصيله المتعددة.
ولذا فمن المهم – إذا أردت أن تكون صاحب تأثير – أن توجِّه جميع طاقاتك إلى نقطة واحدة، ثم تتجه إليها مباشرة ولا تنظر إلى اليمين أو الشمال، ويمكنك أن تحقق في الوقت المناسب ما رغبت فيه إذا نظرت إلى الاتجاه الذي ترغب فيه، وإذا استجمعت كل طاقاتك نحو تحقيقه، وعندما يتم تركيز قدراتك البدنية والعقلية والنفسية فإن طاقاتك في حل المشكلات سوف تتضاعف بشكل كبير.
روي أن يونس بن حبيب كان يتردد على الخليل بن أحمد الفراهيدي ليتعلم منه العروض والشعر فصعب ذلك عليه، فقال له الخليل يومًا: من أي بحر قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئًا فَدَعْهُ وجاوزه إلى ما تستطيع
ولما عجز يونس بن حبيب عن الإجابة طالبه الخليل بن أحمد بتنفيذ الشطر الثاني من بيت الشعر محل السؤال.
واعلم أن التركيز هو أحد الأسرار الرئيسة للنجاح في الحياة وفي الإقناع.
يُروى أن محمد بن عبد الرحمن الأوقص كان عُنُقُه داخلًا في بدنه، وكان منكباه خارجين كأنهما زُجَّان (الزج هو الحَديدَةُ الْمُلْتَصِقَةُ في أَسْفَلِ الرمح) فقالت له أمه: يا بني لا تكون في قوم إلا كنت المضحوك منه المسخور به فعليك بطلب العلم فإنّه يرفعك، قال: فطلب العلم فَوُلِّي قضاء مكة عشرين سنة، فكان الخصم إذا جلس بين يديه يُرْعَدُ حتى يقوم.
أما صلاح الدين الأيوبي، فقد جعل له هدفًا واحدًا - وهو تحرير المسجد الأقصى - فركَّز عليه، وبذل في سبيل تحقيقه وقته وتفكيره وجهده فاستطاع أن يحققه، فأثلج بذلك صدر الأمة الإسلامية ورفع به رءوس أبنائها، وأصبح مثلًا يُقتدى به ورمزًا يُتغنى ببطولاته، فرحمه الله رحمة واسعة.
وفي عالم التجارة والمال، حاولت شركة (3M) عمل كل شيء، فأدركت أن الفرص الكبيرة تضيع وسط الزحام، فطالبت كل فرع للشركة بالتركيز على منتجين يملكان أفضل فرص للنجاح، فلما فعلت ذلك انقلبت الخسائر إلى أرباح.
أما زيروكس (Zerox) فقد ذُكر أنها خسرت ملياري دولار لما تركت التركيز ودخلت مجالًا لا تجيده، وهو مجال الكمبيوتر.
إننا في أحيان كثيرة نقابل أناسًا يتحدثون عن كل شيء، ويُفتون في كل شيء، وهو يوهم نفسه أن معلوماته ربمـا لا تقل بحال عما ورد فى الموسـوعة البريطانيـة ذاتهـا! وهذا إنسان مسكين ينطبق عليه المثل الإنجليزى: المشـتغل في كل الأعمـال سـيبرع في لا شيء؛ (A Jack-of-all-trades is master of none).
توثيق مصدر المقال
المصدر (الناشر الإلكتروني الرئيسي لهذا المقال ): موقع الإسلام اليوم
رابط صفحة المقال في موقع الناشر (المصدر الرئيسي): أنقر هنا
أخر تعديل تم بواسطة فريق عمل الموقع
0 تعليقات