About Me

header ads

الإنسان والوقت

                   الإنسان والوقت

.

بسم الله الرحمن الرحيم
الزمن:
الوقت، أحد مقومات التكليف، أعطانا الله عز وجل وقتاً نستطيع فيه أن نحقق الهدف الذي خلقنا من أجله، لكن ما الوقت؟
بعضهم يقول: إذا حركنا نقطة بشكل مستقيم رسمت خطاً مستقيماً، فإذا حركنا هذا المستقيم رسم سطحاً، فإذا حركنا هذا السطح شكّل حجماً، فالحجم له طول وعرض وارتفاع أو طول وعرض وعمق، والإنسان بعينيه يدرك الطول والعرض والبعد الثالث العمق، لكن هذا الحجم إذا تحرك قال شكّل زمناً، فمن تعريفات الزمن أنه البعد الرابع للأشياء، بشكل أدق كل مادة الله عز وجل خلقها صممها بطريقة أن الزمن له أثر فيها، التغير الذي أصاب الشيء بفعل الزمن هو البعد الرابع للأشياء.
الإنسان زمن:
أما الإنسان أيها الأخوة الكرام، ما وجدت تعريفاً جامعاً مانعاً لهذا الإنسان كهذا التعريف:
الإنسان هو بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه
هذه الحقيقة ينبغي أن تكون ماثلة في أذهاننا جميعاً، أنت أيها الإنسان زمن، أنت بضعة أيام للتقريب، هذا الإنسان خلقه الله عز وجل، له عنده زمن محدد ثلاثة وثمانين سنة وسبعة أشهر وثلاثة أسابيع وأربعة أيام وسبع ساعات وخمس دقائق وثمان ثوان، بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا و ينادي يا بن آدم أنا خلق جديد و على عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
الوقت أثمن من المال:
الآن وقفة متأنية بربكم لو أن إنساناً لا سمح الله ولا قدر أصابه مرض عضال، و يوجد الآن بلاد بعيدة الطب فيها متطور تطوراً شديداً، وقيل له: إن عملية جراحية يمكن أن تكون سبب شفائك لكنها باهظة التكاليف، وقد تساوي ثمن بيتك، هل يتردد المريض ثانية واحدة في بيع البيت والسفر إلى هناك وإجراء هذه العملية؟ لا يتردد لماذا؟ لأنه مركب في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال، لذلك ضحى بالمال من أجل الوقت حتى يعيش عدة سنوات إضافية، ضحى بالمال من أجل الوقت، طبعاً هذه مقدمة، ثابتة، لا يوجد إنسان يعرض عليه بيع بيته لإجراء عملية جراحية تنقذه من مرض عضال، ربما ساهمت هذه العملية في فهم هذا الإنسان إلى أن يعيش بضع سنوات أخرى كان بهذا المرض محروماً منها لا يتردد.
الآن لو وقف إنسان وأمسك بخمسمئة ألف ليرة وأحرقها أمامكم، وحاولتم جهدكم أن تثنوه عن ذلك فلم يقبل وتمّ إحراقها بماذا تحكم عليه؟ بأنه مجنون، وبالتعبير الشرعي سفيه:
(وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ)
[سورة النساء]
إذا كان إتلاف الأموال يعدّ سفهاً، فكيف يكون إتلاف الوقت والوقت أثمن من المال؟ لذلك أذكى الأذكياء يحسن إدارة الوقت، فأنت حينما تعرف قيمة الوقت تستفيد من كل وقتك.
الوقت مفهوم حضاري له أصوله الكبيرة في الإسلام:
البطولة أن تستغل الوقت، لذلك في مفهومات حضارية لها أصول في الإسلام كبيرة جداً، مفهوم الوقت:
قال الله تعالى:
(وَسَارِعُوا)
[سورة آل عمران]
المسارعة تعني أن الوقت يمضي:
قال الله تعالى:
(سَابِقُوا)
[سورة الحديد]
المسابقة تعني أن الوقت يمضي.
لذلك أحد مقومات التكليف أنك أنت أعطاك الله الكون، كل شيء في الكون ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، ثم أعطاك العقل كأداة لمعرفة الله عز وجل وفق مبادئه الثلاث مبدأ السببية والغائية وعدم التناقض، ثم أعطاك الله الفطرة مقياساً نفسياً يكشف لك خطيئتك، ثم أعطاك الشهوة كقوة دافعة، ثم أعطاك الاختيار كقيمة مثمنة لعملك، ثم أعطاك الوقت، كغلاف لعملك، الوقت غلاف العمل، فيا أيها الأخوة الكرام، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
الآن كل ذكائك وكل توفيقك وكل بطولتك وكل فلاحك في إدارة الوقت، والسورة الأصل في هذا الموضوع هي سورة العصر هي سورة الوقت.
الله عز وجل أقسم، وإذا أقسم الله بشيء فهم بالنسبة إلينا شيء عظيم، الوقت هو كل شيء عندنا، بلا وقت لا يوجد شيء،
قال تعالى:
(والْعَصْر)
[سورة العصر]
أقسم بمطلق الزمن، لمن أقسم؟ لهذا الإنسان، من هو هذا الإنسان؟ هو الزمن، أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن فقال له:
(والْعَصْرِ)
[سورة العصر]
جواب القسم:
(إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
[سورة العصر]
خاسر:
(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)
[سورة الدخان]
الوقت رأسمال الإنسان لا يملك أثمن منه:
الآن هذا الوقت الذي هو أنت، هذا الوقت الذي هو رأسمالك، هذا الوقت الذي لا تملك أثمن منه، هذا الوقت الذي هو وعاء عملك كيف تنفقه؟
أَمُر بقرية أهلها جالسون على أحجار أمام البيت، يمر شخص ينظرون إليه، يأتي الثاني ينظرون إليه، ساعتين ثلاثة، والله يا أيها الأخوة عندنا خطأ في استهلاك الوقت يفوق حد الخيال، كلام:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ
[مسلم عن الْمُغِيرَة]
جلسات مديدة:
وقال صلى الله عليه وسلم:
مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً
[أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
اسمع ماذا يقول هؤلاء؟ كلام سخيف:
وقال صلى الله عليه وسلم:
إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ودنيها
[الجامع الصغير عن سهل بن سعد]
قال الله تعالى:
(أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
[سورة الرعد الآية: 28]
وقال صلى الله عليه وسلم:
مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ
[أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
الوقت يحدد مصير الإنسان:
لذلك الشيء الدقيق الدقيق في هذا اللقاء الطيب كيف تنفق وقتك؟ كيف يكون إنفاق وقتك إنفاقاً استثمارياً وليس إنفاقاً استهلاكياً؟ تصور طالباً بالشهادة الثانوية وعلاماته في هذه الشهادة تحدد مصيره في الحياة، والده فقير، لا يوجد أمامه إلا أن يدخل الجامعة بمجموع معين كلية الطب في مدينته، في بيته مع أهله مع أقاربه، ليس هناك أجرة بيت ولا نفقات سفر، لو أخذ أقل بعلامة صار كلية الطب في مدينة أخرى مضطر إلى سفر، إلى أجرة بيت، فالشهادة الثانوية بأنظمة بعض البلاد ونحن منهم علاماتك بالشهادة الثانوية تحدد مصيرك، طبيب، طبيب أسنان، صيدلي، كلية علوم، وهكذا كلية معلوماتية، اقتصاد،حقوق… علاماتك تحدد مصيرك، فأنت في العام الدراسي الذي يسبق الامتحان (امتحان الشهادة الثانوية) هذا الوقت طريقة استهلاكك للوقت يحدد مصيرك، طريقة استهلاك الوقت لطالب بالشهادة الثانوية يحدد مصيره، هناك طالب ينال الدرجة الأولى على كل أبناء البلد الطيب، لذلك سئُل طالب نال الدرجة الأولى في الامتحان: ” لمَ نلت هذا التفوق؟ قال: لأن لحظة الامتحان لن تغادر مخيلتي طوال العام “.
الوقت وعاء عملك، المثل كبره، بعد الموت إحدى حالتين،
فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار
يحدد مصيرك بعد الموت بالجنة أو النار طريقة استهلاك وقتك، طلبت العلم؟ عرفت الحق والباطل؟ عرفت الخير والشر؟ عرفت الحلال والحرام؟ عرفت ما ينبغي وما لا ينبغي؟ ما يجوز وما لا يجوز؟ ما يحبه الله وما يبغضه؟ الوقت يعني مصيرك، هذا الوقت كيف تنفقه؟
قيمة الإنسان بطريقة استهلاك الوقت:
أيها الأخوة، يقول بعض العلماء وهو الحسن البصري الذي عرّف الإنسان تعريفاً رائعاً
قال:
هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه
قال:
أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على دراهمه ودنانيره
أقول لكم بصدق قيمتك بطريقة إدارة الوقت، قيمتك بطريقة استهلاك الوقت،
العاقل من أنفق وقته إنفاقاً استثمارياً لا إنفاقاً استهلاكياً:
الوقت هو أنت إياك أن تنفقه إنفاقاً استهلاكياً، معنى إنفاق استهلاكي جالسين أكلنا، شربنا، نمنا، سهرنا، سررنا، ضحكنا للساعة الثانية، نمنا استيقظنا ثاني يوم، ذهبنا إلى العمل وفي العمل ربحنا وأكلنا وشربنا ونمنا، تستطيع تستيقظ كل يوم كاليوم السابق دائماً؟ مستحيل، مستحيل وألف ألف مستحيل، لذلك أيها الأخوة، مقوم الوقت أخطر مقوم هو أنت، هذا الوقت إما أن ينفق إنفاقاً استهلاكياً كما يفعل معظم الناس اليوم، أو ينفق إنفاقاً استثمارياً،
الإنفاق الإستثماري للوقت:
المؤمنين ينفقون وقتهم إنفاقاً استثمارياً بمعنى أنهم يفعلون في الوقت الذي سينقضي عملاً ينفعهم بعد انقضاء الوقت، والأصل في هذا المعنى قوله تعالى:
(وَالْعَصْر)
[سورة العصر]
يقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الأول رتبة الذي هو في الحقيقة زمن، بأنه خاسر، لأن مضي الزمن يستهلكه، إلا إذا أنفق وقته إنفاقاً استثمارياً
(وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3))
[سورة العصر]
عندك أربعة بنود إن فعلتها فلست بخاسر،
أولاً: البحث عن الحقيقة:
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)
[سورة العصر]
ابحث عن سر وجودك، ابحث عن غاية وجودك، ابحث عن الحلال والحرام، افهم كلام الله، تدبر آيات الله، افهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، اقرأ سيرته، اقرأ عن الصحابة الكرام كيف وصلوا إلى مبتغاهم بسلام.
لا تكن أقل من بني البشر، لمجرد أنك تلغي طلب العلم من حياتك هبطت عن مستوى إنسانيتك، عندك حاجات سفلى طعام، شراب، زواج، وعندك حاجات عليا طلب العلم، ما لم تطلب العلم فأنت لست بالمكان الذي ينبغي، أنت لست إنساناً يحقق الهدف الذي خلق من أجله.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)
[سورة العصر]
متى آمنت؟ يقول لك: أنا مؤمن أحسن منك، متى آمنت؟ إنسان غارق في النوم، ومن نزهة إلى نزهة، ومن وليمة إلى وليمة، ومن شيء مفرح إلى شيء مفرح، فجأة صار معه دكتوراه، شيء مضحك، الدكتوراه تحتاج إلى ابتدائي ست سنوات، إعدادي ثلاثة، وثانوي ثلاثة، وأربعة جامعي، وسنة دبلوم، وثلاثة ماجستير، وأربعة دكتوراه، في دراسة ثلاثين سنة، حتى تضع دال أمام اسمك، دال فقط.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)
[سورة العصر]
لا بد أن تبحث عن الحقيقة، لا بد أن تعرف لماذا أنت في الدنيا؟ ماذا ينبغي أن تفعل؟ لا بد من أن تعرف الحرام والحلال، والخير والشر، والجمال والقبح، لا بد من أن تعرف منهج الله، يعني ما لم يكن لك برنامج، بربكم هل يوجد بالأرض طبيب من الملاعب للملاهي، فتح عيادة ما دخل مدرسة أبداً يقول: أنا طبيب، هذا مجنون أين الدكتوراه؟، أين الماجستير؟ أين الليسانس؟ أين الثانوية؟ أين الإعدادية؟
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)
[سورة العصر]
أحد أركان النجاة أن تعرف الحقيقة، أنت كائن عندك حاجة عليا، هي العقل فلابد من أن تلبى حاجة العقل العليا.
ثانياً: العمل الصالح:
الآن:
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
[سورة العصر]
في حركة، ماذا فعلت؟ أكلت وشربت ونمت، ماذا قدمت لآخرتك؟ أعنت إنساناً؟ أطعمت جائعاً؟ كسوت عارياً؟ نصحت إنساناً؟ خدمت إنساناً؟ أطعمت فقيراً؟ دخلت بمؤسسة خيرية؟ ساهمت بشيء؟ ماذا فعلت؟
الأعمال الصالحة لا تعد ولا تحصى، يوجد أشخاص عجزة، هناك من يواسيهم يبتغي بهذا وجه الله، يوجد أيتام يحتاجون إلى رعاية، عندنا ميتم، بلغني بعض الشباب يزوروا بعض الأيتام يوجهوهم، يعطوهم شيئاً، شريط، كتاب، موضوع ديني، قدم شيئاً، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، بصراحة يا أيها الأخوة الجلوس في الدرس شيء رائع لكن لا يكفي أبداً، يجب أن يكون لكل واحد منكم عمل كبير، عمل والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
[سورة العصر]
ثالثاً: الدعوة للحق:
حتى هذا لا يكفي قال تعالى في التتمة:
(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)
[سورة العصر]
لا بد لا يغيب عن أذهانكم أيها الأخوة أن التواصي بالحق ربع النجاة، أو أحد أركان النجاة، لا تنجو إلا إذا بحثت عن الحقيقة، وعملت بها، ودعوت إليها، وصبرت على البحث عنها، والعمل بها، والدعوة إليها.
1.الحق للنهوض به يحتاج إلى جهد لأن العوائق كثيرة:
أيها الأخوة الكرام، النهوض بالحق عسير يحتاج إلى جهد، والعوائق كثيرة جداً والصوارف عديدة، هناك عوائق أي عقبات، وهناك أشياء مغرية تصرفك عن طلب الحق، هناك هوى النفوس، هناك المصالح، هناك ظروف البيئة، هناك ضغوط العمل، التقاليد، العادات، الحرص، الطمع، يأتي التواصي بالحق ليكون مذكراً، مشجعاً، محصناً للمؤمن، يوصيه، يشجعه، يقف معه، يحرص على سلامته، وسعادته.
التواصي بالحق أحد أركان النجاة، لذلك:
قال الله تعالى:
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)
[سورة آل عمران]
ما علة خيريتها؟
(تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ)
[سورة آل عمران: 110]
ومتى تهلك أمة رسول الله؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟.
[ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]
قال الله تعالى:
(كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)
[سورة المائدة]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر؟
قالوا: أوَ كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟
قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟
قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون
قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟
[ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]
2.الإنسان بالإيمان والعمل الصلح يكمل نفسه وبالتواصي بالحق يكمل غيره:
أيها الأخوة الكرام، هناك نقطة دقيقة جداً التواصي بالحق ينقي ويصفي الاتجاهات الفردية، الإنسان يتخيل شيئاً وحده، يتوهم شيئاً، يتعلق بشيء، يأتي التواصي بالحق ينقي الاتجاه الفردي من الشوائب، فالحق لا يستقر ولا يستمر إلا في مجتمع مؤمن متواص بالحق متعاون متكافل متضامن، نقطة دقيقة جداً أنت بالإيمان والعمل الصالح تكمل نفسك، بارك الله بك، وأنت بالتواصي بالحق تكمل غيرك، المؤمن غيري، المؤمن ينتمي للمجموع أنت بالإيمان والعمل الصلح تكمل نفسك، وبالتواصي بالحق تكمل غيرك:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بلغوا عني ولو آية
[أخرجه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمرو]
3.التواصي بالحق ضروري من أجل أن نغلب عناد الباطل:
دوائر الحق إن لم تتنامَ ما الذي يحدث؟ تتنامى دوائر الباطل، الباطل يتنامى بسرعة السبب؟ متعلق بالشهوات، والشهوات محببة، أما الحق يتنامى بجهد كبير، الحق لا يوجد شيء جاهز كل وعود الله بعد الموت، في الدنيا ممكن أن يعطيك الله لكن الجزاء في الآخرة، فأنت تحتاج إلى جهد كبير لتقنع الناس بغض البصر، بضبط اللسان، بتحرير الدخل، لكن العطاء بالآخرة كبير جداً، هناك شهوة أمامك محسوسة، مركبة فارهة، امرأة جميلة، قصر منيف، دخل كبير، تجارة رابحة، مركز كبير إداري، سلطة، هذه أشياء محسوسة، تراها على شبكية العين أما الآخرة فغيب:
(وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)
[سورة الضحى]
لذلك التواصي بالحق ضروري جداً حتى يبقى الحق، الله عز وجل شاءت حكمته أن تكون الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء، ومنزل عمل لا منزل أمل، ودار تكليف لا دار تشريف، أما الآخرة دار تشريف، لا بد من التواصي بالحق من أجل أن نغلب الهوى، من أجل أن نغلب عناد الباطل، أن نتحمل الأذى، أن نتكبد المشقة.
رابعاً: الصبر على البحث عن الحق، والعمل به، والدعوة إليه:
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
[سورة العصر]
لا بد من أن تصبر على البحث عنها، والعمل بها، والدعوة إليها، الرابعة متعلقة بالثلاثة التي قبلها:
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)
[سورة العصر]
الرابعة:
(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
[سورة العصر]
يعني صبر على طلب الحقيقة، وعلى العمل بها، وعلى الدعوة إليها.
هذه السورة فيها أركان النجاة وإلا الإنسان خاسر، واضحة وضوح الشمس:
(وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2))
[سورة العصر]
إله يقول لك خاسر،
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3))
[سورة العصر]
هذه استثمارات الوقت ما دام وقتك مبذول بعمل صالح ناجح، فالح، عاقل، ذكي، ما دام وقتك تنفقه في الدعوة إلى الله ناجح، فالح، عاقل، ذكي، ما دام وقتك تنفقه في طلب العلم، ناجح، فالح، عاقل، ذكي، ما دام تصبر على طلب العلم وعلى العمل به وعلى الدعوة إليه ناجح، فالح، عاقل، ذكي، أما إذا عاش كالناس تماماً أصبح إمعة قال أنا مع الناس هكذا الناس إن أحسنوا أحسنت وإذا أساؤوا أسأت، هذا الإنسان خاسر خسارة لا حدود له.
إدارة الوقت:
1.تعريفات إدارة الوقت:
أيها الأخوة، من تعريفات إدارة الوقت، قال:
فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي
هناك شيء آخر قال بعضهم الذي يحسن إدارة وقته هو في الحقيقة يحسن إدارة نفسه، وإن لم يكن بالإمكان استثمار كل الوقت فلعل الأقل أن نستثمر أكبر قدر من الوقت، أنا معك مستحيل أن تستثمر كل دقيقة في حياتك، هناك هدر لكن استثمر معظم الوقت، اقرأ كتاباً، ذاهب إلى مدينة ما بمركبة عامة خذ معك كتاباً صغيراً، تصفحه، حاول أن تملأ وقتك بأي عمل.
2.إدارة الوقت مظهر حضاري فعلى كل إنسان أن ينظم وقته:
أيها الأخوة الكرام، أذكر الأخوة الكرام الذين درسوا اقتصاداً ما هي الموارد الاقتصادية الأولى في العالم؟ أربع موارد، عندنا بترول، عندنا خامات الفوسفات، عندنا خامات اليورانيوم، عندنا ذهب، ألماس، الاقتصاد أساسه مواد في ثروات طبيعية، في فحم، والمعلومات، فلان معه دكتوراه بإدارة الأعمال، فلان يحمل اختصاص بالنبات، فلان اختصاص بالتكييف، اختصاص بإدارة الأعمال، المواد والمعلومات والأفراد، هل تستطيع أن تؤسس شركة وأرباحها طائلة بلا أشخاص؟ لا تقدر، تحتاج موظفين، مدير تنفيذي، معاون مدير، مدير محاسبة، مدير مبيعات، مدير استيراد، مدير دعاية، تحتاج إلى أشخاص، تحتاج إلى مواد، تحتاج إلى مكان، بناء، بضاعة، مواد، تحتاج إلى معلومات شخص معه اختصاص محاسبة، شخص معه اختصاص إعلام، شخص معه اختصاص بيئة مثلاً، وتحتاج إلى أفراد أشخاص، وتحتاج إلى وقت.
أهم هذه العناصر الوقت وأهون عنصر بحياة الأمم النامية هو الوقت، الوقت ليس له قيمة أبداً، مثلاً في بعض البلاد بناء فيه مكاتب تجارية كل ما يحتاجه التاجر في هذا البناء، يحتاج إلى دفع ضريبة مالية، تخليص بضاعة من الجمارك، كل الدوائر التي يحتاجها التاجر في بناء واحد، هناك بنوك، و هناك اتصالات، وهناك مطاعم، وهناك مسجد ، أحياناً بلد آخر التحليل في مدينة وتصديق الشهادة بمكان آخر، وامتحان البذور بمدينة أخرى، تجد الإنسان ضائع وقته، أهون شيء على البلاد النامية الوقت، أي إدارة الوقت الآن مظهر حضاري، نظم وقتك، نظم نومك، نظم علاقتك بأهلك، نظم وقت مطالعتك، نظم وقتاً تجلس مع أهلك، اكتب برامج، اعمل مذكرة، اعمل أجندة الآن، اعمل برنامج عمل، لا بد من إدارة الوقت إذا كنت مؤمناً، أنت وقت، أنت بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
3.إدارة الوقت حضارة وإيمان:
أيها الأخوة، إدارة الوقت حضارة، إدارة الوقت إيمان، إدارة الوقت فلاح، إدارة الوقت نجاح، اقرأ كل يوم، اجلس مع أهلك لوقت، قَسّم وقتك، نظم وقتك، اعمل برامج، عدلها، طورها باستمرار.
قال أكثر العناصر هدراً في الدول النامية الوقت، مثلاً بالقطار ينطلق القطار ثمانية وأربع وعشرين دقيقة، يصل الثانية عشرة وتسع وخمسين، والله شيء لا يصدق، الحساب بالدقيقة، أحياناً في بلد آخر ثلاث ساعات تأخير الطائرة، عادي، أحياناً ست ساعات عادي، بالدقيقة الوقت أنت، أنت وقت، قال أكثر العناصر هدراً وأقلها استثماراً هو الوقت، لأنه لا يوجد إدراك كافٍ للخسارة الكبيرة التي تكون من هدر الوقت.
ببعض المناطق أحياناً الرجل يجلس أمام البيت، يمر شخص ينظر به هكذا، يأتي الثاني ينظر، ماذا تعمل؟
مرّ أحد العلماء بمقهى (عالم كبير الشيخ بدر الدين الحسني) وجد أناساً يلعبون النرد قال:
يا سبحان الله لو أن الوقت يشترى من هؤلاء لاشتريناه منهم
4.إدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره أو تعديله بل تنطلق إلى استثماره بشكل فعّال:
إدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره ولا إلى تعديله ولا إلى تطويره بل تنطلق إلى طريقة استثماره بشكل فعّال، محاولة التقليل من الوقت الضائع هدراً من دون فائدة، الوقت يمر دققوا مع أنه عند الأدباء دقيقة الألم ساعة وساعة اللذة دقيقة.
إن يطل ليلك بعدي فكم***بت أشكو قصر الليل معك
هذا الإنسان إذا كان بألم شديد الوقت يطول عليه، إذا كان بفرح الوقت يمر سريعاً، أما الساعات هي هي، ساعات الألم تساوي ساعات الفرح تماماً، لذلك دقق في هذه العبارات، الوقت يمر بسرعة محددة وثابتة فكل دقيقة أو ثانية وكل ساعة تشبه الأخرى، وأن الوقت يسير إلى الأمام بشكل متتابع، يتحرك وفق نظام معين محكم، لا يمكن إيقافه أو تغييره أو زيادته أو إعادة تنظيمه، وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام من دون تأخير أو تقديم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيقافه أو تراكمه أو إلغاؤه أو تبديله أو إحلاله لأنه مورد محدد يملكه الجميع بالتساوي.
5.مشكلة الإنسان ليست في مقدار الوقت بل في كيفية إدارة هذا الوقت واستخدامه:
على الرغم من أن الناس لم يولدوا بقدرات أو فرص متساوية فإنهم جميعاً يملكون الأربع والعشرين نفسها كل يوم، الأذكياء والأغبياء، المتألقون والخاملون، يملكون معاً كل يوم أربع وعشرين ساعة والاثنين والخمسين أسبوعاً كل عام، الذي أخذ الأولى على القطر عنده كان مئتي أسبوع والذي ما نجح عنده عشرة أسابيع؟ الطالب الناجح والراسب عنده اثنين وخمسين أسبوعاً كل عام، فإن جميع الناس متساوون بالمدة الزمنية، سواء أكانوا من كبار الموظفين أم من صغارهم من أغنياء القوم أو من فقرائهم، فالمشكلة ليست في مقدار الوقت المتوفر لكل من هؤلاء ولكن المشكلة في كيفية إدارة هذا الوقت واستخدامه.
لعلي بهذا الحديث أقنعت بعضكم أو جلكم أن يخطط، أن يدير وقته، أن يبرمج أعماله، أن يوزع ساعات عمله، أن يتحرك وفق خطة.
لذلك إدارة الوقت تعني قوله تعالى:
(أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
[سورة الملك]
الوقت أكبر مورد اقتصادي و رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً ومجتمعاً:
أيها الأخوة، الوقت أكبر مورد اقتصادي لكن في خصائص دقيقة لا يمكن تجميعه، نحن نجمع مياه الأمطار بسد، الوقت لا يجمع وهو سريع الانقضاء، ما مضى منه لا يرجع ولا يعوض، والوقت أثمن وأنفس ما يملكه الإنسان، وعاء لكل علم، ولكل عمل، ولكل عبادة، هو رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً ومجتمعاً، كلام دقيق بدراسات دقيقة جداً، بعض البلاد النامية يعمل الفرد في اليوم سبع وعشرين دقيقة، يقسمون الدخل القومي على عدد السكان على ساعات العمل، وفي بلد آخر يعمل الفرد فيه سبع عشرة دقيقة، والبلاد القوية يعمل فيها الفرد ثمان ساعات بالتمام والكمال، لا تتصور أمة يعمل أفرادها سبع عشرة دقيقة ينتصرون على أمة يعمل أفرادها ثمان ساعات.
والله في معلومات يتقطع لها القلب ؛ شركة واحدة فيها أربعون ألف عامل أرباحها السنوية تعادل الدخل القومي لدولة كبيرة جداً أفرادها سبعون مليون، أمة سبعون مليون كل دخلها القومي أقل من شركة فيها أربعين ألف عامل، الوقت ثمين جداً، الوقت أيها الأخوة، لا يمكن شراؤه هو أساس الحياة وعليه تقوم الحضارة، لا يمكن شراؤه ولا بيعه ولا تأجيره ولا استعارته ولا مضاعفته ولا توفيره ولا تصنيعه، لكن يمكن استثماره وتوظيفه، أولئك الذين لديهم وقت لإنجاز أعمالهم لديهم أيضاً وقت لمعرفة ربهم وعبادته والتقرب إليه، عرفوا قيمته وهم يستثمرون كل دقيقة من وقتهم.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
العقيدة – العقيدة والإعجاز – الدرس (31-36) مقومات التكليف : الوقت -1- أهمية الوقت في الإسلام – الغدة النخامية
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-05-18 | المصدر
العقيدة – العقيدة والإعجاز – الدرس (33-36) مقومات التكليف : الوقت -3- إدارة الوقت مظهر حضاري
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-06-01 | المصدر

إرسال تعليق

0 تعليقات